مقبرة ذهبية في شمال العراق لأميرات آشور
نظم المتحف البريطاني مؤتمرا لدراسة ثلاث مقابر آشورية مهمة، عثر عليها في مدينة نمرود منذ 13 سنة، ونقلت محتوياتها الى العاصمة العراقية بغداد وظلت مختفية عن الانظار حتى الآن بسبب الأوضاع السياسية الراهنة. فقد أدت حرب الخليج منذ حوالي عشر سنوات الى دمار بعض المتاحف العراقية، كما تركت بعثات الآثار العالمية مواقعها في العراق وغادرت البلاد نتيجة قرارات المقاطعة التي فرضتها حكوماتها. وبالنتيجة، اصبحت مئات القطع الأثرية العراقية التي تسربت خارج البلاد معروضة الآن للبيع في أسواق المقتنيات في اوروبا والولايات المتحدة. وبالنسبة لمؤتمر المتحف البريطاني فقد جاء وفد من ستة خبراء عراقيين برئاسة مؤيد الدامرجي، مستشار الحكومة للآثار والتراث ومعهم دراسات وصور لألفين و 800 قطعة أثرية، للمساهمة في المؤتمر الذي عقد في 12 مارس (آذار) الماضي واستمر ثلاثة ايام، بإشراف جون كيرتس، رئيس قسم الشرق الأدنى القديم بالمتحف البريطاني.
تتضمن الآثار كمية هائلة من المصنوعات الذهبية التي وجدت في مقبرة يعتقد الأثريون العراقيون انها بنيت لبعض أميرات الملك «آشور نصر بال» الثاني الذي حكم البلاد من 883 الى 859 قبل الميلاد. من المعتقد ان هذه المقابر كانت مدافن لثلاث ملكات، زوجات لملوك آشوريين حكموا خلال النصف الثاني للقرن الثامن قبل الميلاد، وبلغ مجموع وزن الذهب الذي عثر عليه في هذه المقبرة 14 كلغ.
عثر على المقبرة الاولى سنة 1988، اثناء انهماك المكتب العراقي للآثار والتراث بعمليات ترميم في معبد مدينة نمرود على نهر دجلة بشمال البلاد. وكانت البعثات الأثرية الاوروبية قد عملت في تلك المنطقة من قبل، إلا ان المقابر ظلت مختفية تحت ارضية المعبد حتى عثر عليها العراقيون. وتبين للأثريين وجود مقبرة مختفية أسفل ارضية المعبد، وعثروا على بعض الأواني الفخارية الى جانب تابوت من الطين المحروق (التراكوتا) احكم اغلاق غطائه باستخدام القار. وعندما فتح التابوت، وجدت بداخله جثة امرأة في منتصف الخمسينات من عمرها، ترقد على ظهرها وتحت رأسها وعاء فضي.
ومثل مقابر الملوك المصريين، وجد الأثريون مجموعة من الحلي الذهبية مدفونة داخل المقبرة، تتضمن الأقراط والخواتم والعقود والتمائم واشكال السمك والصقور الى جانب فصوص الخرز والاحجار الكريمة، كما وجدوا أوعية من النحاس والبرونز ولوحتين عليهما مناظر انسانية.
وفي غرفة ملحقة لغرفة الدفن عثر على تابوت آخر، لامرأة ماتت في العقد الخامس من عمرها.
وفي العام التالي فوجئ رجال الآثار باكتشاف مقبرة ثانية بالقرب من الاولى لملكة اسمها «يابا» فيها أنبوب من الطين المحروق يمتد فوق التابوت، يبدو انه كان يستخدم لتوصيل القرابين الى الملكة من خارج المقبرة. والى جانب الحلي والمجوهرات التي تحتويها هذه الغرفة، وجد صندوق لأدوات التجميل من الالكتروم الذي يمزج الفضة بالذهب، الى جانب الزهريات المرمرية التي تحتوي على عظام بشرية محروقة وبقايا عضوية وايضا وجد الأثريون بقايا عظمية لسيدتين داخل تابوت واحد، وعثروا على 157 قطعة من الحلي مرصعة في أرديتهما. من بين الحلي الذهبية التي عثروا عليها تاج و 79 قرطا و 30 خاتما و 6 عقود و 14 اسوارا و 4 خلاخيل يزن الواحد منها كيلو من الذهب، ووجدت اسماء ثلاث ملكات منقوشة على البقايا الأثرية، وبلغ وزن الذهب والفضة الذي عثر عليه 50 رطلا.
ووجد الأثريون كذلك مقبرة أخرى فيها تابوت حجري يتضمن عظام امرأتين توفيتا في سن متقاربة دفنتا واحدة فوق الأخرى، في منتصف الثلاثينات من عمرهما. ووجد اسم مكتوب للمرأة العليا «عتاليا ملكة سرجون»، «ملك آشور»، وعثر على مقبرة ثالثة عام 1989، لكن تبين انها خالية تماما إذ وصل اليها على ما يبدو لصوص المقابر في العصور القديمة، ولم يعثر فيها سوى على تابوت الدفن، مع العلم ان بعض الكتابات وجدت بها بينت ان هذه المقبرة كانت مدفنا لملكة آشور بال، الذي جعل نمرود عاصمة لامبراطوريته.
* أرض الرافدين
* حتى عصر قريب، كان دارسو التاريخ القديم للعراق لا يجدون امامهم سوى ما جاء ذكره عن هذه البلاد في الكتب التوراتية، وما كتبه الرحالة القدامى من امثال هيرودوت (هيرودوتوس) وديودوروس الصقلي واسترابو وبليني الاكبر. إلا ان الوضع تغير بعد ذلك تماما عندما بدأت محاولة ترجمة النصوص الآشورية عام 1802 على يد جورج فريدريك غروتفند البروفسور في جامعة غوتينغن الالمانية، ولم يتيسر حل رموز هذه اللغة إلا بعد ذلك بنصف قرن.
وعندما تمكن اللغويون من ترجمة كتابات الألواح الآشورية القديمة ازداد اهتمام الباحثين الغربيين في التعرف على اسرار تاريخ ارض الرافدين القديم، وبدأت اعمال الكشف الأثري. وكان اول الأثريين الذين عملوا في العراق بول اميل بوتا الذي شغل منصب قنصل فرنسا في الموصل، وهو الذي عثر على بقايا مدينة نينوى القديمة، عاصمة الآشوريين، بالقرب من الموصل، وفيها قصر الملك سنحريب، ومنذ منتصف القرن الماضي وحتى نشوب حرب الخليج في 1990 انتشرت بعثات الحفر الأثري في كل جزء من ارض العراق، تعمل في حوالي خمسمائة موقع، للكشف عن اسرار الحضارة القيمة التي ازدهرت هناك منذ آلاف السنين، وساهمت في تكوين الحضارة البشرية بأجمعها، كما نعرفها الآن.
وجاءت البعثات من فرنسا وبريطانيا والمانيا والولايات المتحدة وايطاليا، كما بدأ العراقيون انفسهم يشاركون في العمل، وكانت اهم المواقع الغنية بالآثار هي نينوى وخرسباد واوروك وبابل ونيبور. وامكن التعرف على حوالي نصف مليون قطعة اثرية توزعت على متاحف بغداد ولندن وبرلين وباريس واسطنبول ولينينغراد (بطرسبرج) وفيلادلفيا وجامعة ييل الاميركية الى جانب مئات الآلاف من القطع التي ظلت بمواقعها الاصلية.
ارض الرافدين هي الارض الواقعة بين نهري دجلة والفرات، وكان اهلها الاصليون يطلقون عليها اسم «كلام» في السومرية و«ماتو» في لغة اكاد (اكد) بمعنى «الأرض»، بينما اطلق عليها المصريون القدماء اسم «نهرينا» وسماها الاغريق «ميسوبوتاميا»، إلا انها اصبحت تعرف باسم «العراق» منذ العصر الاسلامي.
وكانت هذه الارض مغطاة بمياه الفيضانات في الأزمنة السحيقة، ثم جفت المستنقعات وصارت الارض صالحة للزراعة والسكن منذ بداية الألف السادسة قبل الميلاد، فسكنها مزيج من قبائل عربية سامية قدمت من الصحراء السورية في الغرب وأقوام فارسية جاءت من مناطق ايران الجبلية في الشرق، إلا ان الاقوام السومرية التي اعطت هذه المنطقة اسمها لم تأت إلا في النصف الثاني من الألف الرابعة ق. م، عندما فرضت سيطرتها على الجماعات التي كان تعيش هناك، وفي الوقت ذاته دخلت جماعات اكادية سامية عربية عن طريق الصحراء السورية الى المناطق الوسطى. ولا احد يعرف بالضبط من أين أتى السومريون، وثمة من يعتقد بأنهم جاءوا من عند جبال القوقاز في اواسط آسيا او من أرمينيا وجبال ايران او من وادي السند وبلاد الهند، لأن الملاحم السومرية القديمة تتحدث عن بلاد تقع خلف الجبال، وكذلك لأهمية «الجبل» في اعتقاداتهم الدينية، إلا ان غالبية الباحثين تميل الى الاعتقاد بأن السومريين وصلوا عن طريق الخليج في الجنوب لأن تجمعاتهم كانت هناك.
كانت اهم التطورات الحضارية التي ظهرت في هذه الفترة بناء المدن وظهور ممالك المدن، ثم تجمعت بعض هذه المدن في فترات مختلفة ـ اما نتيجة للتحالف بينها او لخضوعها للمدينة الأقوى ـ لتكوين ممالك كبيرة، وكانت السلطة انتقلت من مدينة الى أخرى بحسب توازن القوى. وهكذا تكونت مملكة سومر من مجموعة من المدن مستقلة بعضها عن الآخر، في النصف الجنوبي من وادي الرافدين ـ كان حكامها يخضعون لملك واحد ـ واشهر هذه المدن اريدو، وأور وسبار ولكش (لانحاش) وشروباك وأوروك.
* امبراطورية آشور
* استمرت سيطرة السومريين الى 2325 ق.م، عندما جاءت اقوام سامية من الشمال والغرب بقيادة سرجون وغزت مملكة سومر ومعظم منطقة الهلال الخصيب. وبني سرجون «أكاد» (أو أكد) جاعلا اياها عاصمة جديدة، وبدأت الدولة تعرف منذ ذلك الوقت باسم «سومر وأكاد». إلا ان وصول موجات جديدة من الهجرة العربية عند بداية الألف الثانية ق. م، أدى الى القضاء على حكم السومريين والأكاديين كلاهما، وظهور اقوام أخرى وان استمرت عناصر الحضارة القديمة في المجتمعات الجديدة. واصبحت مدينة بابل هي اهم مدن ارض الرافدين منذ بنائها خلال الألف الثانية ق. م، عندما خضع النصف الجنوبي لسيطرتها حتى عهد الملك حمورابي واضع القوانين، كما ظهرت آشور في الشمال مركزا للآشوريين، الذي انتقل بعد ذلك الى كالخو (نمرود) ثم نينوى. ورجحت كفة الآشوريين في البداية فأصبحت آشور ـ التي كانت حدودها تشمل النصف الشمالي من بلاد ما بين النهرين ـ قوة صاعدة تهدف الى مد نفوذها غربا. وجاء اول هجوم لآشور على سوريا ايام حكم شلمنصر الاول ـ الذي حكم بين عامي 859 و 842 ق. م ـ ولكنه لم ينجح في الاستيلاء على دمشق، وسرعان ما اتجه الآشوريون انفسهم جنوبا الى ارض فلسطين وتتابعت هجماتهم على آرام حتى سقطت لهم دمشق اخيرا في عام 732 ق. م، واصبحت مطامع آشور التالية هي في الاستيلاء على فلسطين كذلك.
وبقيت آشور مركزا لامبراطورية عظمى خلال قرنين من الزمان، بين القرنين التاسع والسابع قبل الميلاد امتدت خلالها حدودها من مصر الى الخليج العربي. ورغم ان مدينة نمرود بنيت قبل ثلاثة قرون من عصر الامبراطورية، فإنها لم تصبح مدينة مهمة إلا منذ عصر الملك آشور نصر بال الثاني، الذي جعلها عاصمة له. بعدها ظهرت قوة جديدة في المنطقة اصبحت تهدد كلا من آرام سورية واسرائيل، بل وكل منطقة الهلال الخصيب إذ تمكن نبوخذ نصر ملك بابل من اخضاع آشور في بداية القرن السادس ق. م، وورث حدود الامبراطورية التي اقامها الآشوريون. ونبوخذ نصر هو الملك الذي ورد اسمه في الكتب التوراتية على انه سبى ملك يهودا (اليهودية) ونبلاءها وكهنتها الى بابل، وهناك اعاد هؤلاء تدوين كتبهم، وتأسيس الديانة اليهودية، إلا ان حكم البابليين لم يدم طويلا، وسرعان ما واجهت بلاد الرافدين قوة سياسية فارسية جديدة تهدف الى مد نفوذها غربا. ولم يواجه الفرس مقاومة كبيرة من جيوش بابل، اذ كان الضعف بدأ يصيب الامبراطورية البابلية منذ وفاة مؤسسها نبوخذ نصر. ونشب الصراع على السلطة أولا داخل العائلة المالكة نفسها، اذ مات أويل مردوخ، ابن نبوخذ نصر وخليفته، مقتولا على يد أخي زوجته الذي استولى على العرش بعد ذلك. ثم تآمر عليهم واحد من اتباعهم هو نبونيدس الذي تمكن من الاستيلاء على الحكم واصبح هو آخر ملوك الامبراطورية البابلية التي حكمها 17 سنة.
نظم المتحف البريطاني مؤتمرا لدراسة ثلاث مقابر آشورية مهمة، عثر عليها في مدينة نمرود منذ 13 سنة، ونقلت محتوياتها الى العاصمة العراقية بغداد وظلت مختفية عن الانظار حتى الآن بسبب الأوضاع السياسية الراهنة. فقد أدت حرب الخليج منذ حوالي عشر سنوات الى دمار بعض المتاحف العراقية، كما تركت بعثات الآثار العالمية مواقعها في العراق وغادرت البلاد نتيجة قرارات المقاطعة التي فرضتها حكوماتها. وبالنتيجة، اصبحت مئات القطع الأثرية العراقية التي تسربت خارج البلاد معروضة الآن للبيع في أسواق المقتنيات في اوروبا والولايات المتحدة. وبالنسبة لمؤتمر المتحف البريطاني فقد جاء وفد من ستة خبراء عراقيين برئاسة مؤيد الدامرجي، مستشار الحكومة للآثار والتراث ومعهم دراسات وصور لألفين و 800 قطعة أثرية، للمساهمة في المؤتمر الذي عقد في 12 مارس (آذار) الماضي واستمر ثلاثة ايام، بإشراف جون كيرتس، رئيس قسم الشرق الأدنى القديم بالمتحف البريطاني.
تتضمن الآثار كمية هائلة من المصنوعات الذهبية التي وجدت في مقبرة يعتقد الأثريون العراقيون انها بنيت لبعض أميرات الملك «آشور نصر بال» الثاني الذي حكم البلاد من 883 الى 859 قبل الميلاد. من المعتقد ان هذه المقابر كانت مدافن لثلاث ملكات، زوجات لملوك آشوريين حكموا خلال النصف الثاني للقرن الثامن قبل الميلاد، وبلغ مجموع وزن الذهب الذي عثر عليه في هذه المقبرة 14 كلغ.
عثر على المقبرة الاولى سنة 1988، اثناء انهماك المكتب العراقي للآثار والتراث بعمليات ترميم في معبد مدينة نمرود على نهر دجلة بشمال البلاد. وكانت البعثات الأثرية الاوروبية قد عملت في تلك المنطقة من قبل، إلا ان المقابر ظلت مختفية تحت ارضية المعبد حتى عثر عليها العراقيون. وتبين للأثريين وجود مقبرة مختفية أسفل ارضية المعبد، وعثروا على بعض الأواني الفخارية الى جانب تابوت من الطين المحروق (التراكوتا) احكم اغلاق غطائه باستخدام القار. وعندما فتح التابوت، وجدت بداخله جثة امرأة في منتصف الخمسينات من عمرها، ترقد على ظهرها وتحت رأسها وعاء فضي.
ومثل مقابر الملوك المصريين، وجد الأثريون مجموعة من الحلي الذهبية مدفونة داخل المقبرة، تتضمن الأقراط والخواتم والعقود والتمائم واشكال السمك والصقور الى جانب فصوص الخرز والاحجار الكريمة، كما وجدوا أوعية من النحاس والبرونز ولوحتين عليهما مناظر انسانية.
وفي غرفة ملحقة لغرفة الدفن عثر على تابوت آخر، لامرأة ماتت في العقد الخامس من عمرها.
وفي العام التالي فوجئ رجال الآثار باكتشاف مقبرة ثانية بالقرب من الاولى لملكة اسمها «يابا» فيها أنبوب من الطين المحروق يمتد فوق التابوت، يبدو انه كان يستخدم لتوصيل القرابين الى الملكة من خارج المقبرة. والى جانب الحلي والمجوهرات التي تحتويها هذه الغرفة، وجد صندوق لأدوات التجميل من الالكتروم الذي يمزج الفضة بالذهب، الى جانب الزهريات المرمرية التي تحتوي على عظام بشرية محروقة وبقايا عضوية وايضا وجد الأثريون بقايا عظمية لسيدتين داخل تابوت واحد، وعثروا على 157 قطعة من الحلي مرصعة في أرديتهما. من بين الحلي الذهبية التي عثروا عليها تاج و 79 قرطا و 30 خاتما و 6 عقود و 14 اسوارا و 4 خلاخيل يزن الواحد منها كيلو من الذهب، ووجدت اسماء ثلاث ملكات منقوشة على البقايا الأثرية، وبلغ وزن الذهب والفضة الذي عثر عليه 50 رطلا.
ووجد الأثريون كذلك مقبرة أخرى فيها تابوت حجري يتضمن عظام امرأتين توفيتا في سن متقاربة دفنتا واحدة فوق الأخرى، في منتصف الثلاثينات من عمرهما. ووجد اسم مكتوب للمرأة العليا «عتاليا ملكة سرجون»، «ملك آشور»، وعثر على مقبرة ثالثة عام 1989، لكن تبين انها خالية تماما إذ وصل اليها على ما يبدو لصوص المقابر في العصور القديمة، ولم يعثر فيها سوى على تابوت الدفن، مع العلم ان بعض الكتابات وجدت بها بينت ان هذه المقبرة كانت مدفنا لملكة آشور بال، الذي جعل نمرود عاصمة لامبراطوريته.
* أرض الرافدين
* حتى عصر قريب، كان دارسو التاريخ القديم للعراق لا يجدون امامهم سوى ما جاء ذكره عن هذه البلاد في الكتب التوراتية، وما كتبه الرحالة القدامى من امثال هيرودوت (هيرودوتوس) وديودوروس الصقلي واسترابو وبليني الاكبر. إلا ان الوضع تغير بعد ذلك تماما عندما بدأت محاولة ترجمة النصوص الآشورية عام 1802 على يد جورج فريدريك غروتفند البروفسور في جامعة غوتينغن الالمانية، ولم يتيسر حل رموز هذه اللغة إلا بعد ذلك بنصف قرن.
وعندما تمكن اللغويون من ترجمة كتابات الألواح الآشورية القديمة ازداد اهتمام الباحثين الغربيين في التعرف على اسرار تاريخ ارض الرافدين القديم، وبدأت اعمال الكشف الأثري. وكان اول الأثريين الذين عملوا في العراق بول اميل بوتا الذي شغل منصب قنصل فرنسا في الموصل، وهو الذي عثر على بقايا مدينة نينوى القديمة، عاصمة الآشوريين، بالقرب من الموصل، وفيها قصر الملك سنحريب، ومنذ منتصف القرن الماضي وحتى نشوب حرب الخليج في 1990 انتشرت بعثات الحفر الأثري في كل جزء من ارض العراق، تعمل في حوالي خمسمائة موقع، للكشف عن اسرار الحضارة القيمة التي ازدهرت هناك منذ آلاف السنين، وساهمت في تكوين الحضارة البشرية بأجمعها، كما نعرفها الآن.
وجاءت البعثات من فرنسا وبريطانيا والمانيا والولايات المتحدة وايطاليا، كما بدأ العراقيون انفسهم يشاركون في العمل، وكانت اهم المواقع الغنية بالآثار هي نينوى وخرسباد واوروك وبابل ونيبور. وامكن التعرف على حوالي نصف مليون قطعة اثرية توزعت على متاحف بغداد ولندن وبرلين وباريس واسطنبول ولينينغراد (بطرسبرج) وفيلادلفيا وجامعة ييل الاميركية الى جانب مئات الآلاف من القطع التي ظلت بمواقعها الاصلية.
ارض الرافدين هي الارض الواقعة بين نهري دجلة والفرات، وكان اهلها الاصليون يطلقون عليها اسم «كلام» في السومرية و«ماتو» في لغة اكاد (اكد) بمعنى «الأرض»، بينما اطلق عليها المصريون القدماء اسم «نهرينا» وسماها الاغريق «ميسوبوتاميا»، إلا انها اصبحت تعرف باسم «العراق» منذ العصر الاسلامي.
وكانت هذه الارض مغطاة بمياه الفيضانات في الأزمنة السحيقة، ثم جفت المستنقعات وصارت الارض صالحة للزراعة والسكن منذ بداية الألف السادسة قبل الميلاد، فسكنها مزيج من قبائل عربية سامية قدمت من الصحراء السورية في الغرب وأقوام فارسية جاءت من مناطق ايران الجبلية في الشرق، إلا ان الاقوام السومرية التي اعطت هذه المنطقة اسمها لم تأت إلا في النصف الثاني من الألف الرابعة ق. م، عندما فرضت سيطرتها على الجماعات التي كان تعيش هناك، وفي الوقت ذاته دخلت جماعات اكادية سامية عربية عن طريق الصحراء السورية الى المناطق الوسطى. ولا احد يعرف بالضبط من أين أتى السومريون، وثمة من يعتقد بأنهم جاءوا من عند جبال القوقاز في اواسط آسيا او من أرمينيا وجبال ايران او من وادي السند وبلاد الهند، لأن الملاحم السومرية القديمة تتحدث عن بلاد تقع خلف الجبال، وكذلك لأهمية «الجبل» في اعتقاداتهم الدينية، إلا ان غالبية الباحثين تميل الى الاعتقاد بأن السومريين وصلوا عن طريق الخليج في الجنوب لأن تجمعاتهم كانت هناك.
كانت اهم التطورات الحضارية التي ظهرت في هذه الفترة بناء المدن وظهور ممالك المدن، ثم تجمعت بعض هذه المدن في فترات مختلفة ـ اما نتيجة للتحالف بينها او لخضوعها للمدينة الأقوى ـ لتكوين ممالك كبيرة، وكانت السلطة انتقلت من مدينة الى أخرى بحسب توازن القوى. وهكذا تكونت مملكة سومر من مجموعة من المدن مستقلة بعضها عن الآخر، في النصف الجنوبي من وادي الرافدين ـ كان حكامها يخضعون لملك واحد ـ واشهر هذه المدن اريدو، وأور وسبار ولكش (لانحاش) وشروباك وأوروك.
* امبراطورية آشور
* استمرت سيطرة السومريين الى 2325 ق.م، عندما جاءت اقوام سامية من الشمال والغرب بقيادة سرجون وغزت مملكة سومر ومعظم منطقة الهلال الخصيب. وبني سرجون «أكاد» (أو أكد) جاعلا اياها عاصمة جديدة، وبدأت الدولة تعرف منذ ذلك الوقت باسم «سومر وأكاد». إلا ان وصول موجات جديدة من الهجرة العربية عند بداية الألف الثانية ق. م، أدى الى القضاء على حكم السومريين والأكاديين كلاهما، وظهور اقوام أخرى وان استمرت عناصر الحضارة القديمة في المجتمعات الجديدة. واصبحت مدينة بابل هي اهم مدن ارض الرافدين منذ بنائها خلال الألف الثانية ق. م، عندما خضع النصف الجنوبي لسيطرتها حتى عهد الملك حمورابي واضع القوانين، كما ظهرت آشور في الشمال مركزا للآشوريين، الذي انتقل بعد ذلك الى كالخو (نمرود) ثم نينوى. ورجحت كفة الآشوريين في البداية فأصبحت آشور ـ التي كانت حدودها تشمل النصف الشمالي من بلاد ما بين النهرين ـ قوة صاعدة تهدف الى مد نفوذها غربا. وجاء اول هجوم لآشور على سوريا ايام حكم شلمنصر الاول ـ الذي حكم بين عامي 859 و 842 ق. م ـ ولكنه لم ينجح في الاستيلاء على دمشق، وسرعان ما اتجه الآشوريون انفسهم جنوبا الى ارض فلسطين وتتابعت هجماتهم على آرام حتى سقطت لهم دمشق اخيرا في عام 732 ق. م، واصبحت مطامع آشور التالية هي في الاستيلاء على فلسطين كذلك.
وبقيت آشور مركزا لامبراطورية عظمى خلال قرنين من الزمان، بين القرنين التاسع والسابع قبل الميلاد امتدت خلالها حدودها من مصر الى الخليج العربي. ورغم ان مدينة نمرود بنيت قبل ثلاثة قرون من عصر الامبراطورية، فإنها لم تصبح مدينة مهمة إلا منذ عصر الملك آشور نصر بال الثاني، الذي جعلها عاصمة له. بعدها ظهرت قوة جديدة في المنطقة اصبحت تهدد كلا من آرام سورية واسرائيل، بل وكل منطقة الهلال الخصيب إذ تمكن نبوخذ نصر ملك بابل من اخضاع آشور في بداية القرن السادس ق. م، وورث حدود الامبراطورية التي اقامها الآشوريون. ونبوخذ نصر هو الملك الذي ورد اسمه في الكتب التوراتية على انه سبى ملك يهودا (اليهودية) ونبلاءها وكهنتها الى بابل، وهناك اعاد هؤلاء تدوين كتبهم، وتأسيس الديانة اليهودية، إلا ان حكم البابليين لم يدم طويلا، وسرعان ما واجهت بلاد الرافدين قوة سياسية فارسية جديدة تهدف الى مد نفوذها غربا. ولم يواجه الفرس مقاومة كبيرة من جيوش بابل، اذ كان الضعف بدأ يصيب الامبراطورية البابلية منذ وفاة مؤسسها نبوخذ نصر. ونشب الصراع على السلطة أولا داخل العائلة المالكة نفسها، اذ مات أويل مردوخ، ابن نبوخذ نصر وخليفته، مقتولا على يد أخي زوجته الذي استولى على العرش بعد ذلك. ثم تآمر عليهم واحد من اتباعهم هو نبونيدس الذي تمكن من الاستيلاء على الحكم واصبح هو آخر ملوك الامبراطورية البابلية التي حكمها 17 سنة.
الإثنين مايو 18, 2009 7:46 am من طرف عطا المصراوية
» قصر صدام حسين بلاتوه سنيمائى!!!
الإثنين مايو 18, 2009 7:23 am من طرف عطا المصراوية
» السعادة الحقبقية
الأحد مايو 17, 2009 9:20 pm من طرف عطا المصراوية
» مواقف ومعانى!!
الأحد مايو 17, 2009 8:05 pm من طرف عطا المصراوية
» الحب أعمى» والتمثيل لم يرضني
الأحد مايو 17, 2009 1:08 pm من طرف فيصل ابو ريشه
» غادة عبد الرازق
الأحد مايو 17, 2009 1:03 pm من طرف فيصل ابو ريشه
» تعدد الزوجات فى ظل التشريع الاسلامى
السبت مايو 16, 2009 6:38 pm من طرف عطا المصراوية
» فوائد القرنبيط الصحيه
السبت مايو 16, 2009 2:18 pm من طرف فيصل ابو ريشه
» فوائد البطيخ
السبت مايو 16, 2009 2:12 pm من طرف فيصل ابو ريشه